الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
واختلف في شجر الحمى هل يضمنه قاطعه؟ والأكثرون على أنه لا ضمان فيه، وأصح القولين عند الشافعية، وجوب الضمان فيه بالقيمة، ولا يسلب قاطعه، وتصرف القيمة في مصرف نعم الزكاة والجزية. * * * المسألة الثالثة عشرة: اعلم أن جماهير العلماء على إباحة صيد وج، وقطع شجره. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: أكره صيد وج، وحمله المحققون من أصحابه على كراهة التحريم. واختلفوا فيه على القول بحرمته، هل فيه جزاء كحرم المدينة أو لا شيء فيه؟ ولكن يؤدب قاتله، وعليه أكثر الشافعية. وحجة من قال بحرمة صيدوج ما رواه أبو داود، وأحمد والبخاري في تاريخه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "صَيْدَ وَجّ مُحرَّم" الحديث. قال ابن حجر في (التلخيص): سكت عليه أبو داود وحسنه المنذري، وسكت عليه عبد الحق، فتعقبه ابن القطان بما نقل عن البخاري، أنه لم يصح، وكذا قال الأزدي. وذكر الذهبي، أن الشافعي صححه، وذكر الخلال أن أحمد ضعفه، وقال ابن حبان في رواية المنفرد به، وهو محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي كان يخطىء، ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف، وقال العقيلي: لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف، وقال النووي في شرح المهذب: إسناده ضعيف. وذكر البخاري في تاريخه في ترجمة عبد الله بن إنسان أنه لا يصح. وقال ابن حجر في (التقريب) في محمد بن عبد الله بن إنسان الثقفي الطائفي المذكور: لين الحديث، وكذلك أبوه عبد الله الذي هو شيخه في هذا الحديث: قال فيه أيضًا: لين الحديث، وقال ابن قدامة في المغني في هذا الحديث في صيد وج: ضعفه أحمد ذكره الخلال في كتاب (العلل)، فإذا عرفت هذا ظهر لك حجة الجمهور في إباحة صيدوج، وشجرة كون، الحديث لم يثبت، والأصل براءة الذمة، ووج ـ بفتح الواو، وتشديد الجيم ـ أرض بالطائف. وقال بعض العلماء: هو واد بصحراء الطائف، وليس المراد به نفس بلدة الطائف. وقيل: هو كل أرض الطائف، وقيل هو اسم لحصون الطائف وقيل، لواحد منها وربما التبس وَجّ المذكور بوح ـ بالحاء المهملة ـ وهي ناحية نعمان: فإذا عرفت حكم صيد المحرم، وحكم صيد مكة، والمدينة، ووَجّ، مما ذكرنا فاعلم أن الصيد المحرم إذا كان بعض قوائمه في الحل، وبعضها في الحرم، أو كان على غصن ممتد في الحل، وأصل شجرته في الحرم، فاصطياده حرام على التحقيق تغليبًا لجانب حرمة الحرم فيهما. أما إذا كان أصل الشجرة في الحل، وأغصانها ممتدة في الحرم، فاصطاد طيرًا واقعًا على الأغصان الممتدة في الحرم، فلا إشكال في أنه مصطاد في الحرم، لكون الطير في هواء الحرم. واعلم أن ما ادعاه بعض الحنفية، من أن أحاديث تحديد حرم المدينة مضطربة لأنه وقع في بعض الروايات باللابتين، وفي بعضها بالحرتين، وفي بعضها بالجبلين، وفي بعضها بالمأزمين، وفي بعضها بعير وثور، غير صحيح لظهور الجمع بكل وضوح. لأن اللابتين هما الحرتان المعروفتان، وهما حجارة سود على جوانب المدينة والجبلان هما المأزمان، وهما عير وثور والمدينة بين الحرتين، كما أنها أيضًا بين ثور وعير، كما يشاهده من نظرها. وثور جبيل صغير يميل إلى الحمرة بتدوير خلف أحد من جهة الشمال. فمن ادعى من العلماء أنه ليس في المدينة جبل يسمى ثورًا، فغلط منه. لأنه معروف عند الناس إلى اليوم، مع أنه ثبت في الحديث الصحيح. واعلم أنه على قراءة الكوفيين {فجزاء مثل} . بتنوين جزاء، ورفع مثل فالأمر واضح، وعلى قراءة الجمهور {فجزاء مثل} بالإضافة، فأظهر الأقوال أن الإضافة بيانية، أي جزاء هو مثل ما قتل من النعم، فيرجع معناه إلى الأول، والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: فمن العلماء من قال: ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد، أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى: فمن ذلك ما خرجه الشيخان في صحيحهما عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا مرعوبًا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج، مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام، والتي تليها فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا"، أخرجه البخاري والترمذي. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن، وهذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَمَّا وقعت بنو إسرائيل في المعاصِي، نهتهم علماؤُهم فلم ينتهوا فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئًا، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى يأطروهم على الحق أطرا". ومعنى تأطروهم أي تعطفوهم، ومعنى تقصرونه: تحبسونه، والأحاديث في الباب كثيرة جدًا، وفيها الدلالة الواضحة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في قوله {إذا اهتديتم} ، ويؤيده كثرة الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله تعالى: والتحقيق في معناها أن المراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره هي أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بالعذاب، صالحهم وطالحهم وبه فسرها جماعة من أهل العلم والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك كما قدمنا طرفًا منها. المسألة الأولى: اعلم أن كلا من الآمر والمأمور يجب عليه اتباع الحق المأمور به، وقد دلت السنة الصحيحة على "أن من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهي عن المنكر ويفعله أنه حمار من حمر جهنم يجر أمعاءه فيها". وقد دل القرآن العظيم على أن المأمور المعرض عن التذكرة حمار أيضًا، أما السنة المذكورة فقوله صلى الله عليه وسلم "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان ما أصابك، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه"، أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. ومعنى تندلق أقتابه: تتدلى أمعاؤه، أعاذنا الله والمسلمين من كل سوء، وعن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت ليلة أسرى بي رجالا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمِ بِمَقَارِيضَ مِن نار كلما قُرِضَتْ رجعت فقلت لجبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خُطَبَاء من أمتك كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبزار، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، وابن حيان وابن مردويه والبيهقي، كما نقله عنهم الشوكاني وغيره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فقال ابن عباس: أو بلغت ذلك؟ فقال أرجو، قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل، قال: وما هي؟ قال قوله تعالى: واعلم أن التحقيق أن هذا الوعيد الشديد الذي ذكرنا من اندلاق الأمعاء في النار، وقرض الشفاه بمقاريض النار، ليس على الأمر بالمعروف. وإنما هو على ارتكابه المنكر عالمًا بذلك، ينصح الناس عنه، فالحق أن الأمر بالمعروف غير ساقط عن صالح، ولا طالح، والوعيد على المعصية، لا على الأمر بالمعروف، لأنه في حد ذاته ليس فيه إلا الخير، ولقد أجاد من قال: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال الآخر: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو مريضا وقال الآخر: فإنك إذ ما تأت ما أنت آمر به تلف من إياه تأمر آتيا
وأما الآية الدالة على أن المعرض عن التذكير كالحمار أيضًا، فهي قوله تعالى المسألة الثانية: يشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعلم به، أن ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر، لأنه إن كان جاهلًا بذلك فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهي عما ليس بمنكر، ولا سيما في هذا الزمن الذي عم فيه الجهل وصار فيه الحق منكرًا، والمنكر معروفًا والله تعالى يقول: وأما إن كان من مسائل الاجتهاد، فيما لا نص فيه فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكرًا، فالمصيب منهم مأجور بإصابته، والمخطىء منهم معذور كما هو معروف في محله. واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين: طريق لين، وطريق قسوة. أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه. فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت، وهو المطلوب وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يُعبد الله وحده وتُقام حدوده، وتُمتثل أوامره، وتُجتنب نواهيه، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: ففيه الإشارة إلى أعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. * * * المسألة الثالثة: يشترط في جواز الأمر بالمعروف، ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر، لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين. قال في مراقي السعود: وارتكب لأخف من ضرين وخيرن لدى استوا هذين
ويشترط في وجوبه مظنة النفع به، فإن جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه، كما يدل له ظاهر قوله تعالى: وهذه الصفات المذكورة في الحديث من الشح المطاع والهوى المتبع الخ مظنة لعدم نفع الأمر بالمعروف. فدل الحديث على أنه إن عدمت فائدته سقط وجوبه. * * * تنبيه الأمر بالمعروف له ثلاث حكم: الأولى: إقامة حجة الله على خلقه، كما قال تعالى: الثانية: خروج الآمر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف، كما قال تعالى في صالحي القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت، الثالثة: رجاء النفع للمأمور، كما قال تعالى: المسألة الرابعة: اعلم أن من أعظم أنواع الأمر بالمعروف كلمة حق عند سلطان جائر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه: "أن رجلًا سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغرز: أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر" رواه النسائي بإسناد صحيح. كما قاله النووي رحمه الله، واعلم أن الحديث الصحيح قد بين أن أحوال الرعية مع ارتكاب السلطان ما لا ينبغي ثلاث: الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، فآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه ويجب أن يكون نصحه له بالموعظة الحسنة مع اللطف. لأن ذلك هو مظنة الفائدة. الثانية: ألا يقدر على نصحه لبطشه بمن يأمره، وتأدية نصحه لمنكر أعظم، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهة منكره والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان. الثالثة: أن يكون راضيًا بالمنكر الذي يعمله السلطان متابعًا له عليه، فهذا شريكه في الإثم، والحديث المذكور هو ما قدمنا في سورة البقرة عن أم المؤمنين، أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة" أخرجه مسلم في صحيحه. فقوله صلى الله عليه وسلم "فمن كره" يعني بقلبه، ولم يستطع إنكارًا بيد ولا لسان فقد برئ من الإثم، وأدى وظيفته. ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بها وتابع عليها، فهو عاص كفاعلها. ونظيره حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" وقوله في هذه الآية الكريمة {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} صيغة إغراء يعني: الزموا حفظها كما أشار له في (الخلاصة) بقوله: والفعل من أسمائه عليك وهكذا دونك مع إليك قوله تعالى:
|